الشيخ : محمد محمد غنيم
كذلك فان من خلق الاسلام وخلق النبوة محاذرة الحسدين ومقاطعة المغتابين وعدم الاستماع اليهم، ومجاراتهم والجلوس الى مجالسهم، وليدركوا شنيع فعلتهم وقبيح خصلتهم. بل ان الاسلام ليوجب على من سمع شيئا من الهمس الآثم أن ينكره على قائله والمتحدث به، وأن يذب عن عرض أخيه، ويلقن الوالغ في حرمات الآخرين وأعراضهم درسا من شرع الله وأخلاق الاسلام.. وصدق رسول الله صلى الله عليه وسلم حيث يقول:{ من ذبّ عن عرض أخيه بالغيب كان حقا على الله أن يعتقه من النار رواه أحمد.
ثم ليسمع الذين يجارون الحاسدين من أهل الغيبة والنميمة، ويصغون اليهم، ويسيرون بالفتنة معهم، ليسمعوا قول رسول الله صلى الله عليه وسلم في أمثالهم: من اغتيب عنده أخوه المسلم فلم ينصره وهو بستطيع نصره، أدركه اثمه في الدنيا والآخرة رواه الأصبهاني وقوله: ما من امرئ مسلم يخذل امرأ مسلما في موضع تنتهك فيه حرمته وينتقص فيه من عرضه الا خذله الله في موطن يحب فيه نصرته. وما من امرئ مسلم ينصر امرأ مسلما في موضع ينتقص فيه من عرضه وينتهك فيه من حرمته الا نصره الله في موطن يحب فيه نصرته رواه أبو داود.
وأخيرا فليحذر هؤلاء وأولئك ممن يرتعون في حرمات الناس ويتتبعون عوراتهم ليحذروا بطش الله ووعده ووعيده على لسان نبيه صلى الله عليه وسلم: يا معشر من آمن بلسانه ولم يفض الايمان الى قلبه، لا تؤذوا المسلمين ولا تتبعوا عوراتهم، فانه من تتبع عورة أخيه المسلم تتبع الله عورته، ومن تتبع الله عورته يفضحه ولو في جوف رحله، وفي رواية في عقر بيته رواه أبو داود.
أما دعاة الاسلام فان عليهم، ان ابتلوا بمن يحسدهم، أن يتدرّعوا بالصبر والصلاة ويتعوذوا بالله من شرور نفوس الناس وشرور ظنهم وحسدهم، ولا يخرجنهم الغضب الى الرد والكيد والى اتباع غير سبيل المؤمنين، لأنهم بذلك يصبحون مثلهم ويخسرون تميزهم وخلقهم ودينهم. والأولى أن ينفقوا مما عندهم من خير ويحتسبوا ما يصيبهم عند الله الذي لا يخفى عليه شيء في الأرض ولا في السماء، ولا هو بغافل عما يعمل الظالمون.. وليسمعوا قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: ما من جرعة أحب الى الله من جرعة غيظ، كظمها عبد، ما كظمها عبد لله، الا ملأ الله بها جوفه ايمانا وليكن شعارهم قول القائل: اللهم اني تصدقت بعرض على الناس.
ان على دعاة الاسلام أن يتميزوا بخلقهم عن سائر حلق الله.. وان حسن الخلق هو محصلة الرسالة التي بعث بها رسول الله صلى الله عليه وسلم حيث يقول: انما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق، وحيث يقول: ان العبد ليبلغ بحسن خلقه عظيم درجات الآخرة وشرف المنازل، وأنه لضعيف العبادة. وانه ليبلغ بسوء خلقه أسفل درجات في جهنم رواه الطبراني.
قال أنس بن مالك رضي الله عنه: كنا جلوس مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: يطلع عليكم الآن رجل من أهل الجنة، فطلع رجل من الأنصار.. فلما كان الغد قال النبي صلى الله عليه وسلم مثل ذلك، فطلع ذلك الرجل مثل المرة الأولى. فلما كان اليوم الثالث قال النبي صلى الله عليه وسلم مثل مقالته أيضا. فطلع ذلك الرجل على مثل حاله الأول. فلما قام النبي صلى الله عليه وسلم، تبعه عبدالله بن عمرو، فقال للرجل: اني لأحيت أبي، فأقسمت أني لا أدخل عليه ثلاثا، فان رأيت أن تأويني اليك حتى تمضي فعلت. فقال الرجل: نعم.. قال أنس: فكان عبدالله يحدث أنه بات معه تلك الثلاث ليالي فلم يره يقوم من الليل شيئا، غير انه اذا تعار _ تقلب على فراشه_ ذكر الله عز وجل وكبّر حتى يقوم لصلاة الفجر. قال عبدالله: غير أني لم أسمعه يقول الا خيرا. فلما مضت الثلاث ليالي، وكدت أحتقر عمله، قلت يا عبدالله لم يكن بيني وبين أبي غضب ولا هجرة. ولكن سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول لك ثلاث مرات: يطلع عليكم الآن رجل من أهل الجنة، فطلعت أنت الثلاث مرات، فأردت أن آوي اليك، فأنظر ما عملت فأقتدي بك. فلم أرك عملت عمل كبير. فما الذي بلغ بك ما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قال: ما هو الا ما رأيت. فلما وليت دعاني فقال: ما هو الا ما رأيت، غير اني لا أجد في نفسي لأحد من المسلمين غشا ولا أحسد أحدا على خير أعطاه الله اياه. فقال عبدالله: هذه التي بلغت بك رواه أحمد باسناد على شرط البخاري ومسلم والنسائي.
فما أحوج الدعاة الى سلامة القلب مع الحذر.. والى استقامة الخليقة مع الوعي، والى أن يكونوا أقوى من أن يستدرجهم الغضب لأنفسهم الى السقوط فيما سقط فيه الجهلاء والى الوقوع فيما وقع فيه هؤلاء؟ وليثقوا بأن الله تعالى الذي يعرف السر وأخفى سيتدبر الأمر لا محالة{ ما يكون من نجوى ثلاثة الا هو رابعهم، ولا خمسة الا هو سادسهم، ولا أدنى من ذاك ولا أكثر الا هو معهم أينما كانوا، ثم ينبؤهم بما عملوا يوم القيامة ان الله بكل شيء عليم} { ولقد خلقنا الانسان ونعلم ما توسوس به نفسه ونحن أقرب اليه من حبل الوريد}.
وصدق رسول الله صلى الله عليه وسلم حيث يقول: أوحى الله الى ابراهيم عليه السلام: يا خليلي حسن خلقتك ولو مع الكفار تدخل مدخل الأبرار.. وان كلمتي سبقت لمن حسن خلقه أن أظله تحت عرشي، وأن أسقيه من حظيرة قدسي، وأن أدنيه من جواري رواه الطبراني.
وصدق سيّد الدعاة محمد صلى الله عليه وسلم: وجبت محبة الله على من أغضب فحلم رواه الأصبهاني.
ويقول عليه الصلاة والسلام: اذا جمع الله الخلائق نادى مناد: يا أهل الفضل. قال: فيقوم ناس وهم يسير، فينطلقوان سراعا الى الجنة، فتتلقاهم الملائكة، فيقولون: انا نراكم سراعا الى الجنة فمن أنتم؟ فيقولون: نحن أهل الفضل. فيقولون وما فضلكم؟ فيقولون: كنا اذا ظلمنا صبرنا، واذا أسيء الينا حلمنا. فيقال لهم: ادخلوا الجنة فنعم أجر العاملين رواه الأصبهاني.
ويقول: ألا أنبئكم بما يشرّف الله به البنيان، ويرفع به الدرجات؟ قالوا: نعم يا رسول الله. قال: تحلم على من جهل عليك.. وتعفو عمن ظلمك.. وتعطي من حرمك.. وتصل من قطعك رواه الطبراني.